فصل: الآية (118)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 الآية 118

أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن منده وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد الله في قوله ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ قال‏:‏ كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، وكلهم من الأنصار‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن مجمع بن جارية قال‏:‏ الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربعي‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال‏:‏ إن الثلاثة الذين خلفوا كعب بن مالك من بني سلمة، وهلال بن أمية من بني واقف، ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال‏:‏ لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي أوان خرج عامة المنافقين الذين كانوا تخلفوا عنه يتلقونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏"‏لا تكلمن رجلا تخلف عنا ولا تجالسوه حتى آذن لكم فلم يكلموهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه الذين تخلفوا يسلمون عليه، فأعرض عنهم وأعرض المؤمنون عنهم حتى أن الرجل ليعرض عنه أخوه وأبوه وعمه، فجعلوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتذرون بالجهد والأسقام، فرحمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعهم واستغفر لهم، وكان ممن تخلف عن غير شك ولا نفاق ثلاثة نفر الذين ذكر الله تعالى في سورة التوبة‏.‏ كعب بن مالك السلمي، وهلال بن أمية الواقفي، ومرارة بن ربيعة العامري‏"‏‏.‏

وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ قال‏:‏ كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق الزهري قال‏:‏ أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال‏:‏ سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال كعب‏:‏ لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر‏.‏

وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزاة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل عدوا كثيرا، فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان‏.‏

قال كعب رضي الله عنه‏:‏ فقل رجل يريد أن يتغيب إلى ظن أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل وآن لها أن تصغر، فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولا أقضي شيئا، فأقول لنفسي‏:‏ أنا قادر على ذلك إن أردت‏.‏ فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، وفلت الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه، فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى انتهوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم - وليت أني أفعل - ثم لم يقدر لي ذلك، فطفقت إذ خرجت في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه من النفاق أو رجلا ممن عذره الله‏.‏

ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ‏"‏ما فعل كعب بن مالك‏؟‏ فقال رجل من بني سلمة‏:‏ حبسه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه‏.‏ فقال له معاذ بن جبل‏:‏ بئسما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا‏.‏ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏‏.‏

قال كعب بن مالك‏:‏ فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك، حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب، وأقول‏:‏ بماذا أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما، راح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علانيتهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله حتى جئت، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال لي ‏"‏تعال‏.‏ فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال‏:‏ ما خلفك، ألم تكن قد اشتريت ظهرك‏؟‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلا ولكنه - والله - لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى عني به ليوشكن الله يسخطك علي، ولئن حدثتك الصدق وتجد علي فيه أني لأرجو قرب عتبي من الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك‏"‏‏.‏

فقمت وبادرني رجال من بني سلمة، واتبعوني فقالوا لي‏:‏ والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون، فلقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم‏:‏ هل لقي هذا معي أحدا‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك‏.‏ فقلت‏:‏ من هما‏؟‏ قالوا‏:‏ مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة حسنة، فمضيت حين ذكروهما لي‏.‏

قال‏:‏ ونهى رسول الله الناس عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم وأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا، ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين، مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فوالله ما رد السلام علي فقلت له‏:‏ يا أبا قتادة أنشدك الله تعالى، هل تعلم أني أحب الله ورسوله‏؟‏ قال‏:‏ فسكت‏.‏ قال‏:‏ فعدت فنشدته فسكت، فعدت فنشدته قال‏:‏ الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار‏.‏

وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول‏:‏ من يدل على كعب بن مالك‏؟‏ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان - وكنت كاتبا - فإذا فيه‏:‏ أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك‏.‏ فقلت حين قرأتها‏:‏ وهذا أيضا من البلاء‏.‏ فيممت بها التنور فسجرته فيها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك‏.‏ فقلت‏:‏ أطلقها أم ماذا أفعل‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك‏.‏ فقلت لامرأتي‏:‏ الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله إن هلالا شيخ ضائع وليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه‏؟‏ قال‏:‏ لا، ولكن لا يقربنك‏.‏ فقالت‏:‏ إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي من لدن إن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا‏.‏ فقال لي بعض أهلي‏:‏ لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه‏.‏ فقلت‏:‏ والله لا استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما يقول إذا استأذنته وأنا رجل شاب‏.‏

قال‏:‏ فلبثنا عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا‏.‏ قال‏:‏ ثم صليت الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عنا، قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صارخا أوفى جبل سلع يقول بأعلى صوته‏:‏ يا كعب بن مالك أبشر‏.‏ فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء الفرج، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته - والله ما أملك غيرهما يومئذ - فاستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا بعد فوج يهنئونني بالتوبة، يقولون‏:‏ ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره‏.‏ قال‏:‏ فكان كعب رضي الله عنه لا ينساها لطلحة‏.‏ قال كعب رضي الله عنه‏:‏ فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور‏"‏أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك‏.‏ قلت‏:‏ أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله‏؟‏ قال‏:‏ لا بل من عند الله‏.‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر‏.‏

فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أمسك بعض مالك فهو خير لك‏.‏ قلت‏:‏ إني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت‏:‏ يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت‏.‏ قال‏:‏ فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت منذ قلت ذلك إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، وأنزل الله ‏(‏لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 117‏)‏ إلى قوله ‏{‏وكونوا مع الصادقين‏}‏ فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال ‏(‏سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 95‏)‏ إلى قوله ‏{‏الفاسقين‏}‏ قال‏:‏ وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خلفوا، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو حلف له واعتذر إليه فقبل منه‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ لما نزلت توبتي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت يده وركبتيه، وكسوت المبشر ثوبين‏.‏

وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ قال‏:‏ الذين أرجأوا في وسط براءة قوله ‏{‏وآخرون مرجون لأمر الله‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 106‏)‏ هلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، وكعب بن مالك‏.‏

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ مثقلة يقول‏:‏ عن غزوة تبوك‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال‏:‏ لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك تخلف كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، قال‏:‏ أما أحدهم فكان له حائط حين زها قد فشت فيه الحمرة والصفرة فقال‏:‏ غزوت وغزوت وغزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلو أقمت العام في هذا الحائط فأصبت منه‏.‏ فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دخل حائطه فقال‏:‏ ما خلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وما استبق المؤمنون في الجهاد في سبيل الله إلا ضن بك أيها الحائط، اللهم إني أشهدك أني تصدقت به في سبيلك‏.‏ وأما الآخر فكان قد تفرق عنه من أهله ناس واجتمعوا له فقال‏:‏ غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت، فلو أني أقمت العام في أهلي‏.‏ فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال‏:‏ ما خلفني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما استبق إليه المجاهدون في سبيل الله إلا ضن بكم أيها الأهل، اللهم إن لك علي أن لا أرجع إلى أهلي ومالي حتى أعلم ما تقضي في‏.‏ وأما الآخر فقال‏:‏ اللهم إن لك علي أن ألحق بالقوم حتى أدركهم أو أنقطع‏.‏ فجعل يتتبع الدقع والحزونة حتى لحق بالقوم، فأنزل الله ‏{‏لقد تاب الله على النبي‏}‏ إلى قوله ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت‏}‏ قال الحسن رضي الله عنه‏:‏ يا سبحان الله‏!‏ والله ما أكلوا مالا حراما، لا أصابوا دما حراما، ولا أفسدوا في الأرض، غير أنهم أبطأوا عن شيء من الخير الجهاد في سبيل الله، وقد - والله - جاهدوا وجاهدوا وجاهدوا، فبلغ منهم ما سمعتم فهكذا يبلغ الذنب من المؤمن‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ يعني خلفوا عن التوبة، لم يتب عليهم حتى تاب الله على أبو لبابة وأصحابه‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن عساكر عن عكرمة في قوله ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ عن التوبة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة بن خالد المخزومي، أنه كان يقرؤها ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ نصب أي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ دعا الله إلى توبته من قال ‏(‏أنا ربكم الأعلى‏)‏ ‏(‏النازعات الآية 24‏)‏‏.‏ وقال ‏(‏ما علمت لكم من إله غيري‏)‏ ‏(‏القصص الآية 38‏)‏ ومن آيس العباد من التوبة بعد هؤلاء فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله وهو قوله ‏{‏ثم تاب عليهم ليتوبوا‏}‏ فبدء التوبة من الله عز وجل‏.‏

 الآية 119

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع في قوله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ نزلت في الثلاثة الذين خلفوا‏:‏ قيل لهم‏:‏ كونوا مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن كعب بن مالك قال‏:‏ فينا نزلت أيضا ‏{‏اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏

وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله ‏{‏وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ واين عساكر عن الضحاك في قوله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ أمروا أن يكونوا مع أبي بكر وعمر وأصحابهما‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ‏{‏اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ مع علي بن أبي طالب‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن أبي حعفر في قوله ‏{‏وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ مع علي بن أبي طالب‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابو الشيخ عن السدي في قوله ‏{‏اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ كونوا مع كعب بن مالك، ومرارة بن ربيعة، وهلال بن أمية‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه، اقرأوا إن شئتم ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ قال‏:‏ وهي في قراءة عبد الله هكذا، قال‏:‏ فهل تجدون لأحد رخصة في الكذب‏.‏

وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ ‏{‏وكونوا مع الصادقين‏}‏‏.‏

وأخرج أبو داود الطيالسي والبخاري في الأدب وابن عدي والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه‏"‏سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار، ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ولا يزال يكذب حتى يكتب عند الله كذابا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن عدي والبيهقي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يا أيها الناس اجتنبوا الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإنه يقال‏:‏ صدق وبر وكذب وفجر‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن أبي مالك الجشمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ أرأيت لو كان لك عبدان أحدهما يخونك ويكذبك حديثا، والآخر لا يخونك ويصدقك حديثا أيهما أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ الذي لا يخونني ويصدقني حديثا، قال‏:‏ كذلك أنتم عند ربكم عز وجل‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له، إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، إنه يقال للصادق صدق وبر، ويقال للكاذب كذب وفجر، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن أسماء بنت يزيد ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال‏:‏ ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما يتتابع الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي عن النواس بن سمعان الكلابي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مالي أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال‏:‏ ليس بكذاب من درأ عن نفسه‏.‏

وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن أبي بكر رضي الله عنه ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ الكذب مجانب للإيمان‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن عدي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال‏:‏ إياكم والكذب فإن الكذب مجانب للإيمان‏.‏ قال البيهقي‏:‏ هذا هو الصحيح موقوف‏.‏

وأخرج ابن عدي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب‏.‏

وأخرج ابن عدي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عدي عن أبي أمامة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن المؤمن ليطبع على خلال شتى من الجود والبخل وحسن الخلق، ولا يطبع المؤمن على الكذب، ولا يكون كذابا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي أمامة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي عن عبد الله بن أبي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏المؤمن يطبع على كل خلق إلا الكذب والخيانة‏"‏‏.‏

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال‏:‏ يبنى الإنسان على خصال، فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة والكذب‏.‏

وأخرج مالك والبيهقي عن صفوان بن سليم أنه قيل يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا‏؟‏ قال ‏"‏نعم‏.‏ قيل‏:‏ أيكون المؤمن بخيلا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قيل‏:‏ أيكون المؤمن كذابا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي وأبو يعلى وضعفه عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏الكذب يسود الوجه، والنميمة عذاب القبر‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت ‏"‏ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد وهناد بن السري رضي الله عنه في الزهد وابن عدي والبيهقي عن النواس بن سمعان قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت به كاذب‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد والبيهقي عن أسماء بنت عميس قالت ‏"‏كنت صاحبة عائشة التي هيأتها، فأدخلتها على النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة، فما وجدنا عنده قرى إلا قدح من لبن، فتناوله فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت منه فقلت‏:‏ لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأخذته فشربته، ثم قال‏:‏ ناولي صواحبك‏.‏ فقلت‏:‏ لا نشتهيه‏.‏ فقال‏:‏ لا تجمعن كذبا وجوعا‏.‏ فقلت‏:‏ إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهي أيعد ذلك كذبا‏.‏ فقال‏:‏ إن الكذب يكتب كذبا، حتى الكذيبة تكتب كذيبة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال‏:‏ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت ألعب فقالت أمي لي‏:‏ يا عبد الله تعال أعطيك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ما أردت أن تعطيه‏؟‏ قالت‏:‏ أردت أن أعطيه تمرا قال‏:‏ إما أنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة‏"‏‏.‏

وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححه والدارمي وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي والضياء عن الحسن بن علي‏"‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته‏"‏إن أعظم الخطيئة عند الله اللسان الكاذب‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عدي عن أبي بكر الصديق قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏"‏الصدق أمانة والكذب خيانة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي عبد الله بن عمرو بن العاصي قال‏:‏ قلنا يا رسول الله من خير الناس‏؟‏ قال ‏"‏ذو القلب المحموم واللسان الصادق، قلنا‏:‏ قد عرفنا اللسان الصادق فما القلب المحموم‏؟‏ قال‏:‏ التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد‏.‏ قلنا يا رسول الله‏:‏ فمن على أثره‏؟‏ قال‏:‏ الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قلنا ما نعرف هذا فينا إلا رافعا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن على أثره‏؟‏ قال‏:‏ مؤمن في حسن خلق‏.‏ قلنا‏:‏ أما هذا ففينا‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب قال‏:‏ لا تجد المؤمن كذابا‏.‏

وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال ‏"‏لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى من حدث صدق، وإذا ائتمن أدى، وإذا أشفى ورع‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي عن أنس قال‏:‏ إن الرجل ليحرم قيام الليل وصيام النهار بالكذبة يكذبها‏.‏

وأخرج ابن عدي والبيهقي عن محمد بن سيرين قال‏:‏ الكلام أوسع من أن يكذب ظريف‏.‏

وأخرج البيهقي عن مطر الوراق قال‏:‏ خصلتان إذا كانتا في عبد كان سائر عمله تبعا لهما، حسن الصلاة وصدق الحديث‏.‏

وأخرج البيهقي عن الفضيل قال‏:‏ لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق، وطلب الحلال‏.‏

وأخرج البيهقي عن عبد العزيز بن أبي رواد قال‏:‏ إبرار الدنيا الكذب وقلة الحياء، من طلب الدنيا بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب، وإبرار الآخرة، الحياء والصدق، فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب‏.‏

وأخرج البيهقي عن يوسف بن أسباط قال‏:‏ يرزق العبد بالصدق ثلاث خصال، الحلاوة والملاحة والمهابة‏.‏

وأخرج البيهقي عن أبي روح حاتم بن يوسف قال‏:‏ أتيت باب الفضيل بن عياض فسلمت عليه فقلت‏:‏ يا أبا علي معي خمسة أحاديث إن رأيت أن تأذن لي فأقرأ‏.‏ فقال لي‏:‏ اقرأ‏.‏ فقرأت فإذا هي ستة فقال لي‏:‏ أن قم يا بني تعلم الصدق ثم أكتب الحديث‏.‏

وأخرج ابن عدي عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب‏"‏‏.‏

وأخرج ابن عدي عن علي بن أبي طالب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن في المعاريض ما يغني الرجل العاقل عن الكذب‏"‏‏.‏

 الآيات 120 - 121

أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏لما نزلت هذه الآية ‏{‏ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله‏}‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ والذي بعثني بالحق لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ‏{‏ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله‏}‏ قال‏:‏ هذا حين كان الإسلام قليلا، فلما كثر الإسلام وفشا قال الله تعالى ‏(‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 122‏)‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ‏{‏لا يصيبهم ظمأ‏}‏ قال‏:‏ العطش ‏{‏ولا نصب‏}‏ قال‏:‏ العناء‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة ومكحول‏:‏ أنهما كانا يكرهان التلثم من الغبار في سبيل الله‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإبراهيم بن محمد الغزاري وعيسى بن يونس السبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى ‏{‏ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح‏}‏ قالوا‏:‏ هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ‏{‏ما كان لأهل المدينة‏}‏ الآية قال‏:‏ نستخها الآية التي تليها ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج الحاكم وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال ‏"‏خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وخلف جعفرا في أهله فقال جعفر‏:‏ والله ما أتخلف عنك فخلفني‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله أتخلفني أي شيء تقول قريش‏؟‏ أليس يقولون‏:‏ ما أسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه، وأخرى أبتغي الفضل من الله لأني سمعت الله تعالى يقول ‏{‏ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ أما قولك أن تقول قريش‏:‏ ما أسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه، فقد قالوا‏:‏ إني ساحر وكاهن وإني كذاب فلك بي أسوة، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأما قولك تبتغي الفضل من الله، فقد جاءنا فلفل من اليمن فبعه وأنفق عليك وعلى فاطمة حتى يأتيكما الله منه برزق‏"‏‏.‏

 الآية 122

أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ نسخ هؤلاء الآيات ‏(‏انفروا خفافا وثقالا‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 41‏)‏ و ‏(‏إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 39‏)‏ قوله ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ يقول‏:‏ لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالماكثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو، لعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده ‏{‏فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة‏}‏ يعني عصبة يعني السرايا فلا يسيرون إلا بإذنه، فإذا رجعت السرايا وقد نزل قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا‏:‏ إن الله قد أنزل على نبيكم بعدنا قرآنا وقد تعلمناه، فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم، ويبعث سرايا أخر، فذلك قوله ‏{‏ليتفقهوا في الدين‏}‏ يقول يتعلمون ما أنزل الله على نبيه ويعلمونه السرايا إذا رجعت إليهم ‏{‏لعلهم يحذرون‏}‏‏.‏وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ قال‏:‏ ليست هذه الآية في الجهاد، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون، فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم، فأنزل الله تعالى يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا بمؤمنين، فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله ‏{‏ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال‏:‏ كان المؤمنون يحرضهم على الجهاد إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية خرجوا فيها وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رقة من الناس، فأنزل الله تعالى ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ أمروا إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أن تخرج طائفة وتقيم طائفة، فيحفظ المقيمون على الذين خرجوا ما أنزل الله من القرآن وما يسن من السنن، فإذا رجع إخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم، وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتخلف عنه أحد إلا بإذن أو عذر‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال‏:‏ لما نزلت ‏(‏إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 39‏)‏ ‏(‏ما كان لأهل المدينة‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 120‏)‏ الآية‏.‏ قال المنافقون‏:‏ هلك أهل البدو الذين تخلفوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ولم يغزوا معه، وقد كان ناس خرجوا إلى البدو وإلى قومهم يفقهونهم، فأنزل الله تعالى ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ الآية‏.‏ ونزلت ‏(‏والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة‏)‏ ‏(‏الشورى الآية 16‏)‏ الآية‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ‏{‏وما كان المؤمنون لينفروا كافة‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس‏:‏ ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتونا‏.‏ فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى ‏{‏فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة‏}‏ خرج بعض وقعد بعض يبتغون الخير ‏{‏ليتفقهوا في الدين‏}‏ وليسمعوا ما في الناس وما أنزل بعدهم ‏{‏ولينذروا قومهم‏}‏ قال‏:‏ الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ‏{‏لعلهم يحذرون‏}‏‏.‏